قدمت الباحثة مروة علي عطا الله عبدالغني دراستها الجديدة (تجلِّيات الرقمنة في العروض الخليليّ)، وهي الدراسة الفائزة بجائزة سعاد الصباح عن فئة علم العروض ومسائله بالمركز الأول، والصادرة قبل أيام عن دار سعاد الصباح للنشر. ويبدو جلياً سعي الكاتبة الدكتورة مروة عطاالله إلى تقديم العروض الخليلي بشكلٍ جديدٍ يتناسب مع مقتضيات عصرنا بغية تيسير الربط بين التفاعيل على أذهان الكثيرين.
وقد هدفت الباحثة في دراستها هذه التخفيف من وطأة المغالاة في بعض الجوانب العروضيَّة؛ رغبةً في تذليل الصعوبات التي يمكن أن تواجه الباحثين المبتدئين في علم العروض، إضافة إلى تأهيل علم العروض للترجمة الآليَّة؛ أي التعامل مع الحاسوب بوصفه نظامًا، رقميًّا حيث نستطيع إيجاد برنامج يتعامل مع الأبيات وبحورها بشكلٍ دقيقٍ ومُيَسَّر، ناهيك عن تيسير تحليل انسيابيَّة الكلام، وصولاً إلى إزاحة الستار مستقبلاً عن بابٍ جديدٍ من الإعجاز في القرآن الكريم.
لقد اشتملت الدراسة على مقدمةٍ، وتمهيدٍ، وفصلين، وخاتمة، حيث عقدت الفصل الأول حول الخليل بن أحمد الفراهيديُّ، وعبقريَّته العلميَّة، وتناولت فيه نشأة الفراهيديّ وحياته العلميَّة، ثم مظاهر عبقريته الرياضية، مؤكدة أن رؤية الفراهيديّ لنظام الإيقاع الشعري جمعت بين كُلٍّ من النظرية والتطبيق فـي صورةٍ تنبئ عن بصيرةٍ نافذةٍ، إذ لم يكن نظامه فـي رصد إيقاع الشعر قائمًا على منظورٍ واحدٍ؛ بل كان العـروض عنده يأخذ من الرياضة تجريدها، ومن اللغة واقعها، ومن الموسيقى فنّها.
بعد ذلك، بحثت مسألة رَقْمَنَةُ عِلْمِ الْعَرُوضِ عبر المُمَازَجَةٌ بَيْنَ التَّأْصِيلِ وَالتَّجْدِيدِ محاولات تجديديَّة لرقمنة علم العروض منها ما حاول دمج علم العروض بعلم الحاسوب باستعمال الأرقام؛ بغية برمجة علم العـروض حاسوبيًّا، ولعلَّ من أهم تلكم المحاولات هي محـاولة المهندس خشان محمد خشان، ومن ثم محاولة الدكتور أحمد مستجير في كتابه “الأدلَّـة الرقميَّة لبحور الشعر العربيّ” الانصهار انصهر في بوتقة العصر الرقميّ الجديد.
أما إضافتها الجديدة في هذا المجال، فتقدمها الباحثة في الْفَصْلُ الثَّانِي حيث تدرس الدَّوَائِرُ الخَلِيلِيَّةُ برُؤْيَةٌ عَصْرِيَّةٌ وبِمَنْظُورٍ رَقْمِيٍّ، وتقوم خلال هذا الفصل بتطبيق أحد أهم التطوُّرات النظريَّة والتطبيقيَّة على الإطلاق؛ ألا وهو العروض الرقميّ، كما اضطلعت بتطبيق أبجديَّته ومن ثَمَّ تطبيق جميع جوانبه النظريَّة والتطبيقيَّة على ديوان بديع الزمان الهمذانيّ الذي اتخذته محل دراسة تطبيقية في هذا الكتاب، عبر دراسةٍ شاملةٍ مستقصيةٍ متأنِّيةٍ للديوان، وفي إطارٍ عروضيٍّ تحليليٍّ عضَّد من شأنه خصوبة العيِّنة المنتقاة المتمثلة في الديوان.